بسم الله الرحمن الرحيم

الأدب ثلاثة أنواع : أدب مع الله سبحانه , وأدب مع رسوله صلى الله عليه وسلم وشرعه , وأدب مع خلقه .

وقال يحيى بن معاذ : من تأدب بأدب الله صار من أهل محبة الله .

وقال ابن مبارك : نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم .

وسئل الحسن البصري رحمه الله عن أنفع الأدب ؟ فقال : التفقه في الدين . والزهد في الدنيا ، والمعرفة بما لله عليك .

وقال سهل : القوم استعانوا بالله على مراد الله . وصبروا لله على آداب الله .

والآن تعالوا معي لنبحر في رحلتنا الممتعة في تأمل أقوال الانبياء عليهم السلام جميعاً ونستفد منها العبر والدروس والفوائد فنجد أحوال الرسل صلوات الله وسلامه عليهم مع الله تعالى وخطابهم وسؤالهم مشحونة بالأدب قائمة به ؟ .

قال المسيح عليه السلام : "إن كنت قلته فقد علمته " . ولم يقل : لم أقله, وفرق بين الجوابين في حقيقة الأدب , ثم أحال الأمر على علمه سبحانه بالحال وسره .
فقال أيضاً : " تعلم ما في نفسي " . ثم برأ نفسه عن علمه بغيب ربه وما يختص به سبحانه ، فقال : " ولا أعلم ما في نفسك " . ثم أثنى على ربه .
ووصفه بتفرده بعلم الغيوب كلها فقال : " إنك أنت علام الغيوب " ثم نفى أن يكون قال لهم غير ما أمره ربه به - وهو محض التوحيد .
فقال : " ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم " ثم أخبر عن شهادته عليهم مدة مقامه فيهم , وأنه بعد وفاته لا اطلاع له عليهم ، وأن الله عز وجل وحده هو المنفرد بعد الوفاة بالاطلاع عليهم .

وكذلك قول إبراهيم الخليل عليه السلام : " الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين " ولم يقل : وإذا أمرضني , حفظاً للأدب مع الله عزَ وجل .

وكذلك قول الخضر عليه السلام في السفينة : " فأردت أن أعيبها " ولم يقل : فأراد ربك أن أعيبها .

وكذذلك قول موسى عليه السلام : "ربِ إني لما أنزلت إلي من خير فقير " ولم يقل : أطعمني .

وقول آدم عليه السلام : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " ولم يقل : ربِ قدرت علي وقضيت علي .

وقول أيوب عليه السلام : " مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " ولم يقل : فعافني واشفني .

وقول يوسف عليه السلام لأبيه وإخوته : " هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن " ولم يقل : أخرجني من الجب ، حفظاً للأدب مع إخوته . وتفتياً عليهم : أن لا يخجلهم بما جرى في الجب .
وقال : " وجاء بكم من البدو " ولم يقل : رفع عنكم جهد الجوع والحاجة . أدباً معهم . وأضاف ما جرى إلى السبب . ولم يضفه إلى المباشر الذي هو أقرب إليه منه .
فقال : " من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي " فأعطى الفتوة والكرم والأدب حقه .

ولهذا لم يكن كمال هذا الخلق إلا للرسل والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم .

فتأمل هذه الآداب التي نحن بأمس الحاجة اليها لأنه كما قال ابن مبارك : نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم .

ما فائدة العلم إذا لم يكن معه أدب ؟ وما زال في الامر متسع من الوقت لتتحلى بإلأدب قبل فوات الآوان ولهذا المعنى أشار ابن المبارك : طلبنا الأدب حين فاتنا المؤدبون .

وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله : من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السنن ؟ ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض ؟ ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة ؟ ! .

هذه المقالة قد نقلتها بتصرف من كتاب مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لأبن قيم الجوزية رحمه الله تعالى وأضفت اليها بعضاً من كلماتي ليتناسق الموضوع .